فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

سورة الناس مختلف فيها، وآيها ست آيات.
بسم الله الرحمن الرحيم
{قُلْ أَعُوذُ} وقرئ في السورتين بحذف الهمزة ونقل حركتهما إلى اللام.
{بِرَبّ الناس} لما كانت الاستعاذة في السورة المتقدمة من المضار البدنية وهي تعم الإِنسان وغيره والاستعاذة في هذه السورة من الأضرار التي تعرض للنفوس البشرية وتخصها، عمم الإِضافة ثمَّ وخصصها بالناس ها هنا فكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك أمورهم ويستحق عبادتهم.
{مَلِكِ الناس إله الناس} عطفًا بيان له فإن الرب قد لا يكون ملكًا والملك قد لا يكون إلهًا، وفي هذا النظم دلالة على أنه حقيق بالإعاذة قادرًا عليها غير ممنوع عنها وإشعار على مراتب الناظر في المعارف فإنه يعلم أولًا بما عليه من النعم الظاهرة والباطنة أن له ربًا، ثم يتغلل في النظر حتى يتحقق أنه غني عن الكل وذات كل شيء له ومصارف أمره منه، فهو الملك الحق ثم يستدل به على أنه المستحق للعبادة لا غير، ويتدرج وجوه الاستعاذة كما يتدرج في الاستعاذة المعتادة، تنزيلًا لاختلاف الصفات منزلة اختلاف الذات إشعارًا بعظم الآفة المستعاذة منها، وتكرير {الناس} لما في الإِظهار من مزيد البيان، والإِشعار بشرف الإِنسان.
{مِن شَرّ الوسواس} أي الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر فبالكسر كالزلزال، والمراد به الموسوس وسمي بفعله مبالغة.
{الخناس} الذي عادته أن يخنس أي يتأخر إذا ذكر الإِنسان ربه.
{الذى يُوَسْوِسُ في صُدُورِ الناس} إذا غفلوا عن ذكر ربهم، وذلك كالقوة الوهمية، فإنها تساعد العقل في المقدمات، فإذا آل الأمر إلى النتيجة خنست وأخذت توسوسه وتشككه، ومحل {الذى} الجر على الصفة أو النصب أو الرفع على الذم.
{مِنَ الجنة والناس} بيان لـ: {الوسواس}، أو الذي أو متعلق بـ: {يُوَسْوِسُ} أي يوسوس في صدورهم من جهة الجِنَّةَ والناس. وقيل بيان لـ: {الناس} على أن المراد به ما يعم الثقلين، وفيه تعسف إلا أن يراد به الناسي كقوله تعالى: {يَوْمَ يدعُ الداع} فإن نسيان حق الله تعالى يعم الثقلين.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ المعوذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تبارك وتعالى». اهـ.

.قال أبو حيان:

سورة الناس:
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)}
أضيف الرب إلى الناس، لأن الاستعاذة من شر الموسوس في صدورهم، استعاذوا بربهم مالكهم وإلههم، كما يستعيذ العبد بمولاه إذا دهمه أمر.
والظاهر أن {ملك الناس إله الناس} صفتان.
وقال الزمخشري: هما عطفا بيان، كقولك: سيرة أبي حفص عمر الفاروق بين بملك الناس، ثم زيد بيانًا بإله الناس لأنه قد يقال لغيره: رب الناس، كقوله: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله} وقد يقال: ملك الناس، وأما إله الناس فخاص لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان، انتهى.
وعطف البيان المشهور أنه يكون بالجوامد، وظاهر قوله أنهما عطفا بيان لوأحد، ولا أنقل عن النحاة شيئًا في عطف البيان، هل يجوز أن يتكرر لمعطوف عليه وأحد أم لا يجوز؟.
وقال الزمخشري: فإن قلت: فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرة واحدة؟
قلت: لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار، انتهى.
والوسواس، قالوا: اسم من أسماء الشيطان؟ والوسواس أيضًا: ما يوسوس به شهوات النفس، وهو الهوى المنهي عنه.
والخناس: الراجع على عقبه، المستتر أحيانًا، وذلك في الشيطان متمكن إذا ذكر العبد الله تعالى تأخر.
وأما الشهوات فتخنس بالإيمان وبلمة الملك وبالحياء، فهذان المعنيان يندرجان في الوسواس، ويكون معنى {من الجنة والناس}: من الشياطين ونفوس الناس، أو يكون الوسواس أريد به الشيطان، والمغري: المزين من قرناء السوء، فيكون {من الجنة والناس}، تبيينًا لذلك الوسواس.
قال تعالى: {عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا} وقال قتادة: إن من الإنس شياطين، ومن الجن شياطين، فنعوذ بالله منهم.
وقال أبو ذر لرجل: هل تعوذت من شياطين الإنس؟
وقال الزمخشري: {الوسواس} اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة؛ وأما المصدر فوسواس بالكسر كزلزال، والمراد به الشيطان، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه، لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه؛ أو أريد ذو الوسواس.
وقد تكلمنا معه في دعواه أن الزلزال بالفتح اسم وبالكسر مصدر في {إذا زلزلت} ويجوز في الذي الجر على الصفة، والرفع والنصب على الشتم، ومن في {من الجنة والناس} للتبعيض، أي كائنًا من الجنة والناس، فهي في موضع الحال أي ذلك الموسوس هو بعض الجنة وبعض الناس.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون من متعلقًا بيوسوس، ومعناه ابتداء الغاية، أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنة ومن جهة الناس، انتهى.
ولما كانت مضرة الدين، وهي آفة الوسوسة، أعظم من مضرة الدنيا وإن عظمت، جاء البناء في الاستعاذة منها بصفات ثلاث: الرب والملك والإله، وإن اتحد المطلوب، وفي الاستعاذة من ثلاث: الغاسق والنفاثات والحاسد بصفة واحدة وهي الرب، وإن تكثر الذي يستعاذ منه.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه جمع كفيه ونفث فيهما وقرأ: قل هو الله أحد والمعوذتين، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ برأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاثًا، صلى الله عليه وسلم وشرّف ومجد وكرّم، وعلى آله وصحبه ذوي الكرم وسلم تسليمًا كثيرًا. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)}
التفسير:
إنه تعالى رب جميع المحدثات ولكنه خص الناس هاهنا بالذكر للتشريف، ولأن الاستعاذة لأجلهم فكأنه قيل: أعوذ من شر الوسواس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم وهوالهم ومعبودهم كما يستغيث بعض الموالي إذا دهمهم أمر بسيدهم ومخدومهم وولي أمرهم. وقوله: {ملك الناس} {إله الناس} عطف ثانٍ لأن الرب قد لا يكون ملكًا كما يقال (رب الدار) والملك قد لا يكون إلهًا. وفي هذا الترتيب لطف آخر وذلك أنه قدم أوائل نعمه إلى أن تم ترتيبه وحصل فيه العقل فحينئذ عرف بالدليل أنه عبد مملوك وهو ملك تفتقر كل الأشياء إليه وهو غني عنهم، ثم علم بالدلائل العقلية والنقلية أن العبادة لازمة له وأن معبوده يستحق العبادة. ويمكن أن يقال: أوّل ما يعرف العبد من ربه هو كونه مربوبًا له منعمًا عليه بالنعم الظاهرة والباطنة، ثم لا يزال ينتقل من معرفة هذه الصفة إلى صفات جلاله ونعوت كبريائه فيعرف كونه ملكًا قيومًا، ثم إذا خاض في بحر العرفان وغرق في تياره وله عقله وتاه لبه فيعرف أنه فوق وصف الواصفين فيسميه إلهًا من وله إذا تحير. وتكرير لفظ {الناس} في السورة للتشريف كأنه عرف ذاته في خاتمة كتابه الكريم بكونه ربًا وملكًا وإلهًا لهم، أو لأن عطف البيان يحتاج إلى مزيد الكشف والتوضيح ولو قيل: إن الثاني بدل الكل من الأوّل فالأحسن أيضًا وضع المظهر مقام المضمر كيلا يكون المقصود مفتقرأ إلى ما ليس بمقصود في الظاهر مع رعاية فواصل الآي.
وقيل: لا تكرار في السورة لأن المراد بالأوّل الأطفال ومعنى الربوبية يدل عليه لشدّة احتياجهم إلى التربية، وبالثاني الشبان ولفظ (الملك) المنبئ عن السياسة يدل عليه لمزيد افتقارهم إلى الزجر لقوّة دواعي الشهوة والغضب فيهم مع أن العقل الصادق لم يقو بعد ولم يستحكم، وبالثالث الشيوخ ولفظة {إله} المنبئ عن استحقاق العبادة له يدل عليه لفتور الدواعي المذكورة وقتئذ، فتتوجه النفس إلى تحصيل ما يزلفه إلى الله بتدارك ما فات. والمراد بالرابع الصالحون والأبرار فإن الشيطان مولع بإغوائهم. وبالخامس المفسدون والأشرار لأنه بيان الموسوس فإن الوسواس الخناس قد يكون من الجنة وقد يكون من الناس كما قال: {شياطين الجن والإنس} [الأنعام: 112] والخناس هو الذي من شأنه أن يخنس أي يتأخر وقد مر في قوله تعالى ثم أراد ذكر مراتب النفس الإنسانية التي هي أشرف درجات الحيوان فقال: {برب الناس} إشارة إلى العقل الهيولاني المفتقر إلى مزيد تربية وترشيح حتى يخرج من معدنها ويظهر من حكمها. وقوله: {ملك الناس} إشارة إلى العقل بالملكة لأنه ملك العلوم البديهية وحصلت له ملكة الانتقال منها إلى العلوم الكسبية لأن النفس في هذه الحالة أحوج إلى الزجر عن العقائد الباطلة والأخلاق الفاسدة والتأديب في الصغر كالنقش على الحجر. وقوله: {إله الناس} إشارة إلى سائر مراتبها من العقل بالفعل والعقل المستفاد، فإن الإنسان إذ ذاك كأنه صار عالمًا معقولا مضاهيًا لما عليه الوجود، فعرف المعبود فتوجه إلى عرفانه والعبادة له. وأيضًا اتصف بصفاته وتخلق بأخلاقه كما حكي عن أرسطو أنه قال: أفلاطون: إما إنسان تأله أو إله تأنس. ثم إن العقل والوهم قد يتساعدان على تسليم بعض المقدمّات، ثم إذا آل الأمر إلى النتيجة ساعد العقل عليها دون الوهم فكان الوهم خنس أي رجع عن تسليم المقدّمة فلهذا أمر الله سبحانه بالاستعاذة من شره، وقد ورد مثله في الحديث.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته» وهذا آخر درجات النفس الكاملة الإنسانية فلا جرم وقع ختم الكتاب الكريم والفرقان العظيم عليه. ونحن أيضًا نختم التفسير بهذا التحقيق والله وليّ التوفيق والهادي في العلم والعمل إلى سواء الحق والطريق.
قال الضعيف مؤلف الكتاب، أحوج خلق الله إلى رحمته ورضاه، الحسن بن محمد بن الحسين المشتهر بنظام النيسابوري نظم الله أحواله في أولاده وأخراه: هذا أيها المعروف باعتلاء عرائك المجد، المشغوف باقتناء سبائك الحمد، الكامل شوقه إلى فهم غرائب القرآن والقرآن كله غرائب، الباذل طوقه في درك رغائب الفرقان والفرقان بأسره رغائب، عقائل مسائل جهزتها فطنة من مشايد الشدائد خامدة، وفرائد فوائد نظمتها قريحة من صنوف الصروف جامده، وقد نطفت بها عين خرساء بادٍ شحوبها وتحركت بها لأجلي ولاء طالما عقر حوبها، على أنها مع سواد ما سقط من سنها بيضاء الخلال ومع مرارة مذاق ما بين لحييها حلوة المباني مليحة المقال. والذي قد مج فوها عفوصة ما فيها عذبة على العذبات سلسة على الأسلات يبكي ويضحك، ويملك ويهلك، ويفقر ويثري، ويريش ويبري، ويمنع ويعطي، ولولا الله لذكرت أنه يميت ويحيى. وفي رقتها دقة، ومع طلاوتها حلاوة، فإن شئت فيراعة فيها براعة، وأنبوب فيه من الحكم أسلوب وأيّ أسلوب، وكيف لا وقد اشتملت على مطاوي ما رسمه على فحاوى كتاب الله الكريم، واحتوت مباني ما رقمه على معاني الفرقان العظيم، الذي أخرس شقاشق الفصحاء حين أرادوا معارضته لعجزهم لا للخلل في أدمغتهم، وأوقر مسامع أولي العناد من العباد في البلاد بجهلهم لا لصمم في أصمختهم، صحيفة يلوح عنها أثر الحق، ولطيمة يفوح منها عبق الصدق، بضاعة يحملها أهل النهي في سفر الروح إلى مكانها، وتجارة أرباحها جنات النعيم، وأجارة أعواضها الفوز بلقاء رب العرش العظيم.
ثم إن استبان لك حسن ذلك الوجه فأنصف تفلح، وإن غلب على ظنك قبحه فأصلح أو أسجع فإن لكل جواد كبوة ولكل حسام نبوة، وضيق البصر وطغيان القلم موضوعان، والخطأ والنسيان عن هذه الأمة مرفوعان، وإني لم أمل في هذا الإملاء إلاّ إلى مذهب أهل السنة والجماعة فبينت أصولهم ووجوه استدلالاتهم بها وما ورد عليها من الاعتراضات والأجوبة عنها. وأما في الفروع فذكرت استدلال كل طائفة بالآية على مذهبه من غير تعصب ومراء وجدال وهراء، فاختلاف هذه الأمة رحمة، ونظر كل مجتهد على لطيفة وحكمة، جعل الله سعيهم وسعينا مشكورًا، وعملهم وعملنا مبرورًا. ولقد وقفت لإتمام هذا الكتاب في مدة خلافة على رضي الله عنه وكنا نقدر إتمامه في مدة خلافه الخلفاء الراشدين وهي ثلاثون سنة، ولو لم يكن ما اتفق في أثناء التفسير من وجود الأسفار الشاسعة وعدم الأسفار النافعة، ومن غموم لا يعدّ عديدها وهموم لا ينادي وليدها، لكان يمكن إتمامه في مدّة خلافة أبي بكر كما وقع لجار الله العلامة، وكما أنه رأى ذلك ببركة جوار بيت الله الحرام فهذا الضعيف أيضًا يرجو أن يرزقني الله تعالى ببركة إتمام هذا الكتاب زيارة هذا المقام ويشرفني بوضع الخد على عتبة مزار نبيه المصطفى محمد النبي الأمي العربي عليه وآله الصلاة والسلام فاسمع واستجب يا قدير ويا علام.
واعلموا إخواني رحمنا الله وإياكم وجعل الجنة مثوانا ومثواكم، أن لكل مجتهد نصيبًا قل أو أكثر، ولكل نفس عاملة قسطًا نقص أو كمل، وأن الأعمال بالنيات وبها تجلب البركات وترفع الدرجات، وأن المرء بأصغريه وكل عمل ابن آدم سوى الخير كلّ عليه والذي نفسي بيده وناصيتي بحكمه ومشيئته، عالم بسري ومحيط بنيتي أني لم أقصد في تأليف هذا التفسير مجرد جلب نفع عاجل لأن هذا الغرض عرض زائل ولا يفتخر عاقل بما ليس تحته طائل.
سحابة صيف ليس يرجي دوامها

وهل يشرئب إلى الأمور الفانية أو يستلذ بها من وهو من أعضائه عظامها، وكاد يفتر من قواه أكثرها بل تمامها؟ وإنما كان المقصود جمع المتفرق، وضبط المنتشر، وتبيين بعض وجوه الإعجاز الحاصل في كلام رب العالمين، وحل الألفاظ في كتب بعض المفسرين بقدر وسعي وحد علمي، وعلى حسب ما وصل إليه استعدادي وفهمي، والقرآن أجل ما وقف عليه الذهن والخاطر، وأشرف ما صرف إليه الفكر والناظر، وأعمق ما يغاض على درّه ومرجانه، وأعرق ما يكد في تحصيل لحينه، ولو لم تكن العلوم الأدبية بأنواعها، والأصولية بفروعها، والحكمية بجملها وتفاصيلها وسيلة إلى فهم معاني كتاب الله العزيز واستنباط نكتها من معادنها واستخراج خباياها من مكامنها لكنت متأسفًا على ما أزجيت من العمر في بحث تلك القواليب، وأملت من الفكر في تأليف ما ألفت في كل أسلوب من أولئك الأساليب، ولكن لكل حالة آلة، ولك أرب سبب، وطالما أغليت المهور للعقائل وجنبت الوسائل للأصائل.
قال الشاعر:
أمر على الديار ديار ليلى ** أقبل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حب الديار شغفن قلبي ** ولكن حب من سكن الديارا

وكان من معاصم المقاصد من إنشاء هذا التفسير أن يكون جليسي مدّة حياتي، وأنيسي في وقت مماتي حين لا أنيس للمرء إلا ما أسلف من بره، ولا ينفع الإنسان إلا ما قدّم من خيره.
ولعمري إنه للمبتل المنيب الأوّاه نعم العون على تلاوة كتاب الله العزيز ومحضرة مع القراءة ووجهها إن اشتبه عليه شيء منها، ومع الآي والوقوف: إن ذهل عن أماكنها ومظانها، وكذا التفسير بتمامه إن أراد البحث عن الحقائق أو عزب عنه شيء من تلك الدقائق، وكذا التأويل إن كان مائلًا إلى بطون الفرقان وسالكًا سبيل الذوق والعفان.
وإني أرجو من فضل الله العظيم وأتوسل إليه بوجهه الكريم، ثم بنبيه القرشيّ الأبطحيّ، ووليه المعظم العليّ وسائر أهل الغر الكرام وأصحابه الزهر والعظام، وبكل من له عنده مكان ولديه قبول وشان، أن يمتعني بتلاوة كتابه في كل حين وأوان من تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان على الوجه الذي ذكرت، ولأجل هذا لقيت في تأليفه من عرق الجبين وكد اليمين ما لقيت.
وأن يعم النفع به لسائر إخواني في الدين ورفقائي في طلب اليقين، ثم أن يجعله عدّة في ليلة يرجع من قبري العشائر والأهلون، وذخيرة يوم لا ينفع مال ولا بنون والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين خصوصًا على رسوله المصطفى الأمين محمد وآله وصحبه أجمعين. اهـ.